حققت عملية هبوط المثانة تطورًا ملحوظًا في الأساليب والتقنيات خلال السنوات الفائتة، وباتت اليوم واحدة من أكثر الجراحات النسائية انتشارًا حول العالم وأهمها في تعزيز الرعاية الصحية للمرأة.
فرضت متطلبات الحياة اليومية على المرأة أعباءً جديدة وأدى ذلك إلى تغيير نوعية حياتها مما أثر بصورة سلبية على صحتها وجعلها أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض لاسيما تلك الناتجة عن الجهد الزائد.
سنتحدث في مقالنا بشكل موسع عن هبوط المثانة وتفاصيل الجراحة العلاجية ونجيب عن التساؤلات المتعلقة بهبوط المثانة أثناء الحمل والفرق بينها وبين هبوط الرحم وأهم الأعراض المرافقة.
محتويات المقال:
ما هو هبوط المثانة؟
يعد هبوط المثانة (Bladder Prolapse) أو القيلة المثانية (Cystocele) واحدًا من أكثر الحالات الطبية شيوعًا لدى النساء والتي تختلف شدتها من امرأة لأخرى تبعًا لمجموعة من العوامل التي قد تفرض إجراء عملية هبوط المثانة.
تتوضع المثانة عند النساء أمام الجدار الأمامي للمهبل ويحدث هبوط المثانة عند المرأة عندما تصاب الأربطة المسؤولة عن تثبيت المثانة في مكانها بخلل ما أو تضعف العضلات المتوضعة بين المثانة والمهبل.
ينجم عن تمدد هذه الأربطة تدلي المثانة وبروزها عبر الجدار الأمامي للمهبل، وفي الحالات الشديدة قد تصبح المثانة بارزة عبر فتحة المهبل وذلك نتيجةً الإجهاد والضغط الزائد على الحوض.
أسباب هبوط المثانة
يزداد احتمال إصابة المرأة بهبوط المثانة مع تقدم العمر حيث تتراجع العضلات والأنسجة الضامة، كذلك تتراجع قدرتها على تثبيت أعضاء الحوض والحفاظ على هيكله.
من جملة أسباب هبوط المثانة عند النساء، نذكر:
تعدد الحمول والولادات المهبلية.
رفع الأوزان الثقيلة.
الإمساك المزمن.
البدانة وما تسببه من زيادة الضغط في منطقة البطن والحوض.
جراحات الحوض السابقة.
انقطاع الطمث وما يرافقه من تراجع مستويات هرمون الأستروجين.
أعراض هبوط المثانة
يعد بروز المثانة عبر الجدار الأمامي للمهبل والشعور بانتفاخ مهبلي هو العرض الأكثر شيوعًا ويترافق هبوط المثانة مع مجموعة من الأعراض البولية وغير البولية والتي تكون قابلة للعلاج إما عبر عملية هبوط المثانة أو عبر العلاجات الأخرى.
من هذه الأعراض نذكر:
ثقل وألم في منطقة المهبل.
آلام في الحوض أو أسفل الظهر.
ألم الجماع.
التهابات متكررة في المسالك البولية.
الشعور بعدم اكتمال تفريغ المثانة عند التبول.
سلس بولي.
درجات هبوط المثانة
الدرجة الأولى
يتظاهر هبوط المثانة من الدرجة الأولى (Grade 1 bladder prolapse) بتدلّي خفيف للمثانة وبروزها قليلًا ضمن جدار المهبل ولا تتطلب هذه الحالة تدخلًا جراحيًا.
الدرجة الثانية
تتمثل الدرجة الثانية من هبوط المثانة (Grade2 bladder prolapse) بازدياد تبارز المثانة عبر المهبل ويمكن أن تصل إلى فتحة المهبل وهنا تزداد شدة الأعراض ويصبح الجماع عسيرًا.
الدرجة الثالثة
يُلاحظ في الدرجة الثالثة من هبوط المثانة (Grade3 bladder prolapse) بروز كتلة المثانة عبر فتحة المهبل وتتطلب هذه الحالة تدخلًا جراحيًا لإعادة المثانة لموضعها التشريحي.
يعتمد العديد من أطباء النسائية على نظام POP_Q في تصنيف تدلي أعضاء الحوض (Pelvic Organs Prolapse_Qualification) لقياس مقدار التدلي بالنسبة لفتحة المهبل، وتقييم درجة هبوط مختلف أعضاء الحوض.
يهدف هذا التصنيف إلى توحيد طرق قياس هبوط المثانة، وتسهيل توثيق النتائج . بالإضافة إلى ذلك، يعد التصنيف الأكثر استخدمًا في الأبحاث التي تتطرق إلى هبوط المثانة وأعضاء الحوض الأخرى.
مراحل عملية هبوط المثانة
بعد أن يتم تشخيص الإصابة بهبوط المثانة، واختيار العمل الجراحي حلًا مثاليًا للحالة، نكون أمام 3 مراحل رئيسية لإتمام العلاج بنجاح، ألا وهي:
ما قبل العمل الجراحي.
مجريات العمل الجراحي.
ما بعد العملية.
أولًا: ما قبل عملية هبوط المثانة
يعتمد تشخيص هبوط المثانة على التاريخ الطبي للمريضة ونتائج الاختبارات والتحاليل إضافًة للفحص السريري والذي يعتبر الاستقصاء الأهم لتكوين صورة كاملة عن حالة المريضة وتقييمها.
تشمل وسائل التشخيص:
فحص الحوض
يتضمن فحص المريضة بعدة وضعيات مثل الاستلقاء والوقوف والقرفصاء، لتحري وجود أي بروز أو انتفاخ في جدران المهبل، وقد يلجأ الطبيب لتصوير الحوض بالأمواج فوق الصوتية لتحديد توضع المثانة بدقة.
فحص المثانة
يتم إجراء تنظير المثانة عبر الإحليل بحثًا عن الانسدادات والتشوهات، ولنفي وجود أورام أو كتل ضاغطة في المثانة كما يجري الطبيب الفاحص اختبار للمثانة لتقييم ديناميكية التبول ومدى قدرة المريضة على التحكم بعضلات المثانة.
الفحوص الشعاعية
تشمل إجراء صورة بالأشعة السينية للمثانة الممتلئة بعد حقن مادة ظليلة، ويمكن أن يطلب الطبيب صورة رنين مغناطيسي لمنطقة الحوض مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاستقصاءات الشعاعية تحمل خطورة عالية على المرأة الحامل وقد تسبب تشوه الجنين.
التحضير لعملية هبوط المثانة
تتطلب الحالات المتقدمة من هبوط المثانة إصلاحًا جراحيًا لإعادة المثانة لوضعها الطبيعي و كغيرها من العمليات الجراحية فإنه من الضروري الالتزام ببعض الإجراءات قبل الخضوع للعملية، أهمها:
إيقاف مميعات الدم كالأسبرين (Aspirin) والوارفارين (Warfarin) للحد من خطر النزف خلال العملية.
يتوجب على المريضة إعلام الطبيب بالأدوية التي تتناولها بصورة دائمة والأمراض المزمنة التي تعاني منها.
ضرورة ذكر السوابق التحسسية الدوائية في حال وجودها وبالأخص الحساسية تجاه أنواع معينة من مواد التخدير.
الامتناع عن الطعام والشراب لمدة لا تقل عن 8 ساعات في اليوم الذي يسبق العملية.
تجنب شرب الكحول قبل العملية.
يمكن أن يصف الطبيب ملينا لتفريغ الأمعاء بشكل تام قبل العملية.
يتضمن التحضير للعملية تحصيل استشارة طبية من قبل طبيب مختص ومناقشة كافة المخاوف والتوقعات إضافةً لضرورة الاستعلام عن نسبة نجاح العملية والمخاطر والمضاعفات المحتملة.
اقرأي المزيد: علاج السلس البولي بتعليق الإحليل خلف العانة
ثانيًا: مجريات عملية هبوط المثانة
توضع قسطرة وريدية في أحد أوردة الأطراف السطحية،ويجري إعطاء جرعة محددة من الصادات الحيوية واسعة الطيف للوقاية من الإنتانات والإصابات البكتيرية.
يتم تركيب قسطرة فولي البولية ويمكن أن تبقى لعدة أيام بعد العملية لتقييم وظيفة التبول لدى المريضة والتأكد من سلامة المثانة.
توضع المريضة بوضعية تفتيت الحصى (Lithotomy position) ويتم تخديرها تخديرًا عامًا
أو قطنيًا ثم توضع 6 خطافات جراحية لإبعاد الشفرين وتسهيل الدخول للمهبل.
يُحقن الأدرينالين تحت الطبقة الظهارية للجدار الأمامي للمهبل لتسهيل التسليخ والتقليل من حجم النزيف الدموي وتتراوح زاوية الحقن بين 0_15 درجة.
يتم إجراء شق عمودي بمستوى الخط المتوسط على الجدار الأمامي للمهبل إلى الأسفل من الفتحة البولية الخارجية بحوالي 3 سم وبعمق 2_4 مم ويعتمد العمق على ثخانة نسيج المهبل ونوع الجراحة المجراة.
يستهدف هذا النوع من عملية هبوط المثانة التداخل على لفافة عنق الرحم والتي تتميز بكون سطح لامع وأملس ذو لون فاتح مقارنةً مع نسيج المهبل تحت الظهاري الأغمق لونًا.
تعتمد هذه التقنية على إصلاح وتعديل الأنسجة الأصلية الموجودة عوضًا عن الاستعانة بشبكة داعمة والتي تمتلك العديد من المضاعفات.
يتم تسليخ اللفافة عن جدار المهبل حتى يصبح من الممكن جس الارتفاق العاني بأطراف الأصابع ثم يجري العمل على تقريب أطراف اللفافة وخياطتها باستخدام خيوط من قياس 2_0 لتحقيق أكبر قدر ممكن من الشد، مما يوفر الدعم لجدار المهبل.
يتوجب العمل بحذر عند شد أطراف اللفافة من الجهة الوحشية وتقريبها باتجاه المنصف لأن ذلك قد يلحق الأذى بالحزء الوحشي منها.
يعمل الجراحون بعد إزالة الأنسجة الزائدة بالمقص الكهربائي على ربط قاعدة المثانة بالأربطة الرحمية العجزية
مما يساهم بتقريب هذه الأربطة باتجاه المنصف حيث يؤمن ذلك دعمًا إضافيًا للمثانة ويقي من تكرار هبوطها.
للاستزادة: ما هي عملية رفع الرحم بالمنظار؟
ما مدى نجاح العملية؟
يعتمد مدى نجاح عملية هبوط المثانة على نوع العملية حيث تتميز العمليات التي تستهدف استئصال المهبل بشكل كامل بكونها ذات فعالية عالية إلا أن المريضة لن تكون قادرة على ممارسة الجنس بعدها لذا لا تعد هذه الجراحة العلاج الموصى به لدى الشابات.
تمتلك الجراحات الترميمية التي تعمل على إعادة بناء الأنسجة (المشروحة أعلاه) فعالية أقل من سابقتها حيث تواجه المريضة احتمال عودة الأعراض.
ثالثًا: ما بعد عملية هبوط المثانة
يمكن أن تخرج المريضة من المشفى في نفس اليوم أو تبقى لعدة أيام بغرض مراقبة تطور المضاعفات وتستمر النقاهة بعد العملية حوالي عدة أسابيع حتى تتعافى المريضة بشكل تام.
يمكن أن تشعر المريضة بتشنج في المثانة قد يستمر لعدة أيام أو أسابيع، كذلك قد تواجه مشاكل بولية مثل سلس البول وصعوبة تفريغ المثانة، لكنها عادةً ما تزول بدون علاج.
تستخدم الخيوط القابلة للامتصاص في خياطة الجرح وعادة ما تزول خلال عدة أسابيع من تلقاء نفسها ويمكن أن تبقى لمدة 3 شهور.
أهم النصائح بعد عملية هبوط المثانة
تجنب رفع الأوزان التي تزيد عن 4.5 كغ قبل مرور شهر ونصف على العملية.
تجنب التمارين المجهدة والتي يمكن أن تسبب إجهاد عضلات الحوض.
عدم شرب كميات زائدة من السوائل لتجنب التبول المتكرر.
الامتناع عن التدخين لأن السعال المزمن قد يجهد عضلات قاع الحوض.
الامتناع عن ممارسة الجنس أو وضع السدادات المهبلية لمدة 6 أسابيع على الأقل.
ما هي الأعراض التي تستوجب الاتصال بالطبيب بعد عملية هبوط المثانة؟
ارتفاع الحرارة إلى 38.8 درجة سيليسيوس قد يشير إلى وجود حمى.
التشنجات المثانية الحادة والألم غير المستجيب على المسكنات.
استمرار النزيف المهبلي لأكثر من عدة أسابيع.
عدم القدرة على التبول.
أسئلة شائعة حول هبوط المثانة
1. ما هي العلاجات غير الجراحية لهبوط المثانة؟
تتسائل العديد من المريضات عمّا إذا ما كان هناك إجراءات علاجية غير عملية هبوط المثانة، والجواب هو أن كثير من الحالات قد لا تتطلب تدخلًا جراحيًا ويجري السيطرة عليها من خلال بعض الإجراءات البسيطة وأبرزها:
تجنب عوامل الخطورة
تزيد بعض العوامل من احتمالية إصابة النساء بهبوط المثانة، إذ يمثل تجنبها وقايةً فعالة من الإصابة ويساعد على الحد من تفاقم الأعراض في حال حدوثها.
من أهم إجراءات التخفيف من دور عوامل الخطورة في تطور الإصابة:
تجنب رفع الأوزان الثقيلة لما لها من تأثير سلبي على فعالية عضلات الحوض.
تجنب السمنة والوزن الزائد لتقليل الضغط على منطقة الحوض.
الإقلاع عن التدخين الذي يسبب سعال مزمن يترافق مع زيادة الضغط على الحوض.
الاعتناء بنوعية الغذاء وتناول الأطعمة الغنية بالألياف لتجنب الإمساك المزمن وما ينجم عنه من إجهاد للأمعاء.
التمارين الرياضية
تساعد تمارين كيجل (Kegel exercises) على تقوية تقوية عضلات الحوض وتعزيز دورها في دعم أعضاء الحوض وتثبيتها، مع الانتباه أن هذه التمارين واحدة من أكثر الوسائل فعالية في تخفيف حدة الأعراض لكنها لا تعالج هبوط المثانة.
الفرزجة المهبلية
تستخدم الفرزجة المهبلية (Vaginal Pessary) في الحالات الخفيفة من هبوط المثانة حيث توفر دعمًا إضافيًا لجدران المهبل، وتسهم في تخفيف الأعراض لكن لا يمكن اعتبارها علاجًا لهبوط المثانة ونذكر أنواع الفرازج المهبلية:
الفرزجة الحلقية (Ring pessary).
فرزجة جيلهورن (Gellhorn pessary).
الفرزجة المكعبة (Cubed pessary).
العلاج بالبدائل الهرمونية
يتراجع إنتاج الهرمونات لدى السيدات بعد انقطاع الطمث ويساعد العلاج ببدائل الاستروجين (Estrogen replacement therapy) على تعزيز وظيفة هرمون الاستروجين في تقوية العضلات حول المهبل والمثانة وحمايتها من الضمور والارتخاء.
2. ما الفرق بين هبوط المثانة وهبوط الرحم؟
تحيط العضلات بمختلف أعضاء الحوض وتمنحها الدعم الذي يثبتها في مكانها ويحافظ على هيكلها، إذ أن أي ضعف في العضلات أو الأربطة، سيتسبب في هبوط هذه الأعضاء.
يشترك هبوط المثانة وهبوط الرحم وكذلك هبوط المثانة والمستقيم بالعلاقة التشريحية والتوضع بالنسبة للمهبل، حيث يؤدي الترهل في جدار المهبل إلى هبوط الأعضاء المجاورة لهذا الجزء من الجدار وبروزها عبر المهبل.
ينجم هبوط المثانة عادةً عن تراجع الجدار الأمامي للمهبل، بينما ينتج عن تدلي الجزء العلوي من المهبل هبوط الرحم ضمن جوف المهبل والتسبب بانتفاخه.
3. ما هي العلاقة بين هبوط المثانة والحمل
بالرغم من أن الحمل والمخاض يتسبب بإرهاق العضلات والأربطة في قاع الحوض وإجهادها إلا أننا لا نستطيع القول أن المخاض الطويل هو السبب الأساسي في هبوط المثانة حيث يمكن أن تصاب السيدات به قبل حملها الأول.
من المفاهيم الخاطئة أيضًا حول علاقة هبوط المثانة بالحمل أن الولادة القيصرية تقي من تدلي أعضاء الحوض وهبوطها إلا أن العديد من العوامل الأخرى يمكن أن تملك تأثيرًا أكبر حيث أن الجينات هي من تحدد قوة العضلات والأنسجة.
تصاب عادةً النساء بسلس بولي خلال حملهن نتيجة الضغط الزائد على أعضاء الحوض، لكن السلس البولي يزول بعد الولادة، وليس من الضروري أن يشير لهبوط المثانة.
نختتم مقالنا بالقول أن اللحاق بركب التطور العلمي فرض على الأطباء ضرورة مواكبة كل ما هو جديد للتوصل إلى أفضل العلاجات والحلول وأقلها خطرًا على صحة المرضى فكانت عملية هبوط المثانة واحدة من الإبداعات الطبية الجراحية والتي
عالجت واحدة من أكثر تبعات الحمل شيوعًا. لم يعد هبوط المثانة اليوم هاجسًا كما كان عليه من قبل ولم يعد الحمل يشكل مصدر قلق للنساء بعد اليوم حيث ساعدت التقنيات الجراحية الحديثة الآمنة والفعالة
على تقديم مجموعة متنوعة من الحلول التي حظيت بنسب عالية من الرضا والنجاح واستطاعت أن تحد من مشاكل التبول وآلام الحوض وغيرها من أعراض هبوط المثانة.
…………………………………
المصادر:
https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/15468-cystocele-fallen-bladder
https://www.hopkinsmedicine.org/health/conditions-and-diseases/cystocele
https://www.betterhealth.vic.gov.au/health/conditionsandtreatments/bladder-prolapse
https://www.mayoclinic.org/ar/diseases-conditions/cystocele/diagnosis-treatment/drc-20369457
https://www.nuffieldhealth.com/article/life-after-pelvic-organ-prolapse-surgery-recovery
Comments